ظلمة الأعْراض
صفحة 1 من اصل 1
ظلمة الأعْراض
ظلمة الأعْراض
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
قال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله تعالى ـ
(( اجتمعت ، في أيام الطلب بجماعة من أهل العلم ، فسمعت من أهل العلم الحاضرين ، ثلبا لوزير من الوزراء ، فقلت للمتكلم : أنشدك الله يا فلان ، أن تجيبني على ما أسألك عنه ، وتصدقني ، قال : نعم ، قلت له : هذا الثلب الذي جرى منك ، هل هو لوازع ديني تجده من نفسك ، لكون هذا الذي تثلبه ارتكب منكرا ، أو افترى على مظلمة ، أو مظالم ، أم أن ذلك لكونه في دنيا حسنة ، وعيشة رافهة ؟ ففكر قليلا ، ثم قال : ليس ذلك إلا لكون الفاعل ابن الفاعل ، يلبس الناعم من الثياب ، ويركب الفارِه من الدواب ، ثم عدّد من ذلك أشياء ، فضحك الحاضرون ، وقلت له : أنت إذن ظالم له ، تخاطب بهذه المظلمة بين يدي الله ، وتُحشر مع الظلمة في الأعراض ، وذلك أشد من الظلم في الأموال ، عند كل ذي نفس حرّة .
يهون علينا أن تُصاب جسومنا *** وتسلم أعراض لنا وعقول
وبالجملة ، فإني أظن أن الظلمة في الأعراض ، أجرأ من الظلمة في الأموال ، لأن ظالم المال قد صار له وازع على الظلم ، وهو المال ، الذي به قيام المعاش وبقاء الحياة ، ثم قد حصل له من مظلمته ما ينتفع به في دنياه ، وإن كان سُحتا يحتاجه حراما . وظلم الأعراض لم يقف إلا على الخيبة والخسران ، مع كونه فعل جهد من لا له جهد ، وذلك مما تنفر عنه النفوس الشريفة ، وتستصغر فاعله الطبائع العلية ، والقوى الرفيعة .
(( رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين ص 89 – 90 ))
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى