الدراسات الاستشراقية حول القرآن (2-3)
صفحة 1 من اصل 1
الدراسات الاستشراقية حول القرآن (2-3)
الدراسات الاستشراقية حول القرآن (2-3)
أ.د.عبد الرحيم علي محمد
مدير معهد الخرطوم الدولي للغة العربية
2009-10-13
(نموذج موير، واط، وبيل)
الدكتور ريشارد بيل:
جاء ريتشارد بيل. وحاول ترجمة معاني القرآن. وواجهته المشكلة التي واجهت موير في ورود الآيات المكية مع أخرى مدنية، وفي الانتقال من موضوع إلى موضوع، وحاول أن يستخلص نظرية يفسر بها الظواهر التي أشكلت عليه. وكانت حيرته أكبر من أستاذه، وأخطاؤه أفدح. وذلك بسبب تماديه في معالجة فرضية خاطئة، وهي أن النص القرآني مضطرب النظم.
تتلخص آراء (بيل) في النقاط المذكورة بعد:
1. بنى معظم ملاحظاته على فكرة أن القرآن نزل أولاً في مقطوعات صغيرة، وأن هذه المقطوعات كوّنت السور فيما بعد. وهذا الموقف متشابه لموقف موير، سوى أن (بيل) كان يميل إلى المقطوعات الصغيرة.
2. ذهب إلى النص في معظمه خطّه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، مستبعداً النص القرآني حول أمِّية محمد صلى الله عليه وسلم. والأحاديث الكثيرة حول كتاب الوحي.
3. ألحت عليه فكرة التطور في الوحي، وعلاقة هذا التطور بالسيرة. وخلص إلى أن القرآن تكون من ثلاثة أجزاء في ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: مرحلة الآيات، وهي الآيات التي كانت تتحدث عن آيات الكون وأدلة نعم الله وقدرته، ومن هذه الآيات الإشارات المتعددة إلى الشمس والكواكب، والليل والنهار، ونزول المطر وخلق الإنسان، وتسخير الأنعام، وإنبات النبات، ويحاول (بيل) أن يميز هذه المرحلة عن المرحلة التالية، فهو يعتقد أن هذه الآيات كانت من المرحلة المكية الأولى.
- المرحلة الثانية: وهي مرحلة القرآن، وفي هذه المرحلة يرد في مواضع كثيرة ذكر القرآن، وذلك في نظر (بيل) مجموعة من آيات يضم بعضها إلى بعض وليست - كما يتبادر للمسلمين - بمعنى الكتاب. وفي حين يجمع المسلمون على أن أسماء الصفات الواردة في القرآن، هي مترادفات. فهو القرآن وهو الذكر وهو الفرقان وهو المثاني وهو الكتاب، يرى (بيل) أن هذه الصفات تشير إلى مراحل مختلفة من تطور الوحي. فالمرحلة الثانية، وهي مرحلة القرآن، تمثل في نظره مجموعة فصول، أريد لها أن تُقرأ وأن تكون بمثابة القداس في الكنائس لأغراض العبادة، وأن استعمال كلمة القرآن، بحسب نظرية (بيل)، يكثُر في المرحلة الأخيرة من مكة، وأول مرحلة المدينة. ثم يقل وينقطع في المرحلة الأخيرة بعد بدر، وهي مرحلة الكتاب.
- المرحلة الأخيرة: هي مرحلة الكتاب. ويشار فيها إلى الكتاب، ويراد به مجمل الترتيل، والآيات التي يرد فيها اسم الكتاب في نظر (بيل)، آيات من مرحلة المدينة بعد بدر، وفيها استقر حسب زعمه لدى النبي أنه رسول وأنه صاحب كتاب.
من أهم معالم هذه الأطوار التي رسمها الدكتور (بيل). أن المرحلة الأولى من الترتيل، خلت من ذكر العذاب والتخويف، وإن ذُكرت فيها الآخرة، وقد احتج لذلك، بأن النبي لابدَّ أن يكون قد بدأ برسالة ذات محتوى إيجابي، وإلا يكون ذكر قد وقع إلا بعد ظهور معارضة له. ويترتب على ذلك، أن الآيات التي يشار فيها إلى نوع من المعارضة، لابد أن تكون متأخرة عن الآيات التي لم يرد فيها ذكر ذلك(12).
ثم يتطور وصف النار والعذاب، ويرد ذكر الملائكة والروح، ويرد ذكر الرحمن وتتوالى مفهومات جديدة، كالتوبة والمغفرة والكفارة، وينسبها لمرحلة المدينة.
وعلى هذا النهج، ينسب الآيات التي يرد فيها ذكر لليهود، ولقصة إبراهيم عليه السلام لمرحلة المدينة الأولى، حيث ازداد إحساس المسلمين بهذا الدين، بعد اتصالهم باليهود في المدينة(13).
ومثل هذا يصح عن بعض الكلمات التي تساعد في تحديد زمن النزول، مثل الفساد والفتنة والآيات التي تحض على القتال، كلها مدنية.
وقد حاول (بيل) أن يبرهن على أن كلمة المثاني المختلف فيها، هي إشارة إلى الأجزاء التي وردت في قصص الأنبياء السابقين وما حل لأممهم من العذاب.
4. حاول (بيل) جاهداً أن يطبق في دراسته للقرآن، نظريات نقد النصوص الحديثة وقد التمس في المصحف أمثلة للحذف والتصحيح والاستبدال، وقطْع أجزاء من آيات ووضعها في غير موضوعها، وكتابة أجزاء بظاهر الصفحة التي كتبت عليها آيات أخرى، ثم وصلها معاً في القراءة، وغير ذلك من هذه الوسائل المستحدثة في تحرير النصوص وتوثيقها(14).
ولا يخفى أن ثمة رابطاً بين جميع هذه الملاحظات، وأنّ النظرية في عمومها تتجه إلى الربط بين المراحل التاريخية المختلفة التي مر بها النبي في السيرة وبين الوحي التي كان يتنزل عليه في هذه الأثناء.
وهذه المحاولة لا بأس بها من حيث المبدأ، والعلماء المسلمون أيضا قسموا القرآن إلى مكي ومدني ولاحظوا خصائص السور المكية والمدنية، وبين العلماء المتقدمين نقاش حول كثير من الآيات هل هي مكية أو مدنية؟ متقدمة أو متأخرة في النزول. وهنالك شبه إجماع على أن أسلوب القرآن في مكة يتميز عموماً بقصر الآيات، والإيقاع السريع، والقسم وأنواع التنبيهات، ولكن (بيل) في دارسته يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فهو يجعل الأفكار والمفاهيم التي ترد في القرآن، نتيجة للأحداث والتطورات، وقد واجه صعوبات في إخضاع النص بهيئته المعروفة اليوم لنظرياته، وحاول أن يطوّع النص للنظرية، ولذلك اضطر للقول بالإضافة والتعديل، وحاول أن يثبت أن جمع القرآن صحبته تدخلات وأخطاء شتى، وذهب يحاول إعادة النص إلى سلامته الأولى، وكانت النتيجة أنّ ترجمته للنص استحالت إلى جسم ميت ومقطع.
ونقد (بيل) آراء كثير من المستشرفين في اعتبار مجموعة الآيات هي الأساس، وأن السور القرآنية تكونت من هذه المجموعات، ولكنه اشتط في هذه النظرة، لأستاذه (موير)، وكذلك (نولدكه)، وإن ذهبوا إلى نفس الرأي، إلا أنهم لم ينكروا أن ثمة سوراً كثيرة هي أيضاً ذات موضوع واحد، أو موضوعات مترابطة. أما الدكتور (بيل) فقد خالفهم، وحاول أن يجد حتى في السور القصيرة أثراً لمحاولات التوصيل والتلفيق التي توهم أنها وقعت، عندما رُبطت مجموعات الآيات مع بعضها في سورة واحدة. وبعد مراجعة كثير من الأمثلة يتبين لنا. أن عمدته في هذه الفكرة، هي تغيير الفاصلة (الحرف الأخير) في داخل السورة مرة بعد مرة، وكذلك ورود الآيات ذات الموضوع المعين على آية أخرى، أو في حشايا سورة ذات موضوع مباين لها. وكذلك اعتبر الآيات مقحمة كلما وجد أن المعنى أو الفكرة، ترد في سياق سورة يفترض أن تكون متقدمة أو متأخرة عنها في زمن النزول.
مناقشة أفكار (بيل) حول القرآن:
1. الخلاف الأساسي بين المنهج الاستشراقي والمنهج الإسلامي في منهج علماء المسلمين يفترض صحة نسبة القرآن إلى الله عز وجل، وأنه بذلك لا يتعارض ولا يتناقض، كما أنه لا يلزمه ما يلزم تأليف البشر من ارتباط مقالهم بزمانهم، وعلمهم بحدود مكانهم، وأنهم مهما تجردوا من الهوى والملابسات المحيطة بهم، فكلامهم لا يتبرأ تمام البراءة من أثر البيئة الزمانية والمكانية.
2. ومنهج الاستشراق فيه افتراض أن القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وسلم وأنه بذلك يعالج كما تعالج النصوص الأخرى المنسوبة للبشر من احتمال الخطأ والصواب، ومن ضرورة افتراض التطور الطبيعي المألوف في كل النصوص، لارتباط تلك النصوص بالبيئة الزمانية والمكانية.
وهذا الاختلاف في الافتراضين، يلقي بظلاله على كل الأفكار الواردة في الأفكار السابقة، ويباعد الشقة بين الدارسين في الجانبين.
ومع ذلك، وبالرغم من هذا الخلاف المنهجي الأساسي، توجد مساحة للنقاش والتداول، حول الأفكار المذكورة آنفاً من نظم القرآن وتطوره، وفي هذه المساحة نستطيع أن نورد الملاحظات التالية:
فكرة تكوين القرآن من نجوم الآيات:
اعتبر (بيل) أن الوحدة الأساس في القرآن هو المقطوعة أو النجم، أي مجموعة الآيات واعتبر هذه المقطوعات أو النجوم قصيرة، وان السور المعروفة لدينا تكونت من هذه المقطوعات في وقت لاحق، وانصب جهده في محاولة تحديد هذه المقطوعات في وقت لاحق، وانصب جهده في محاولة تحديد هذه المقطوعات داخل السورة، وفي ابتكار نظرية حول الطريقة التي عولجت بها عملية الوصل.
إن فكرة النجم في أساسها ليست محل خلاف، ولكن السور القصيرة وبعض السور الطوال، مثل سورة يوسف ومثل سورة الأنفال والنمل وغير ذلك، هي أشبه ما تكون بهذه المقطوعات، لأنها نزلت كما هو ظاهر من نفسها وأسلوبها، وفي نفس واحد وفي موضوع واحد أو موضوعات مترابطة، ولا يمكن أن تفصل إلى أجزاء إلا بتعسُّفٍ واضح.
تأمل مثلاً محاولة الدكتور (بيل) لتقسيم سورة عبس (سورة 80) فهو يقسمها إلى ثلاثة أقسام، معتمداً على تغيير الفاصلة، ويقول بان الآيات التي تبدأ: فلينظر الإنسان إلى طعامه.. إلى قوله تعالى متاعاً لكم ولأنعامكم. هي آيات مقحمة في هذا السياق، وأنها تحمل سمة انه كانت مستقلة ثم أضيفت لهذا الموقع ولست منه(15).
والصحيح أن هذه الآيات مرتبطة تمام الارتباط بما قبلها، إنْ تغَّيرت الفاصلة فالجرس والنغم هو ثم إنَّ مبحث الشكر المذكور في الآيات السابقة ( قتل الإنسان ما أكفره) قد وجد بيانه وتوضيحه في هذه الآيات، لأنها جلها تذكَّر بالنعم التي يجب إلا تكفر.
ومثال آخر في سورة المؤمنون (السورة 23) بدا أن آياتها 12-16 وهي الآيات المتعلقة بالخلق والتي أولها: ( وقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) ذهب إلى أن هذه المجموعة من الآيات تحتوي على حرف فاصلة مدسوس، أي انطوى بسبب الإضافات التي طرأت، ويقوم الدكتور (بيل) بإعادة الآيات على هذا الوجه(16).
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة/ من طين ثم جعلناه نطفة/ في قرار مكين
ثم خلقنا النطفة علقة
فخلقنا العلق مضغة
فخلقنا المضغة عظاماً
فكسونا العظام لحماً
ثم أنشأناه خلقاً آخر
فتبارك الله احسن الخالقين
ثم أنكم بعد ذلك لميتون
ثم أنكم يوم القيامة تبعثون
وبهذا الشكل الذي ابرز به حجته في وجود حرف فاصلة في داخل الآية، وهو تشابه النهايات. علقة، مضغة، عظاماً، لحماً.. استنتج أن الآيات كانت مجموعة تحمل فاصلة الهاء والفتحة، وأنها عندما وُضعت في السورة في هذا الوضع، أضيفت إليها عبارات مثل، "من طين"، و "في قرار مكين"، وأخيراً "فتبارك الله احسن الخالقين"، لتناسب فاصلة السورة التي تنتهي بالياء والنون. ومثل هذا عند الدكتور (بيل) كثير جداً.
والذي يبدو لي أن هذه الآيات شديدة الاتصال بالسورة، لان مبحث خلق الإنسان متصل في القرآن، دائماً بمبحث الغرور والاستكبار، وهو مبحث ظاهر في هذه السورة.
والاهم من ذلك أن وجود الفاصلة الخفية التي اعتمد عليها الدكتور (بيل) ليس كما زعم، فالهاء في مضغة وعلقة لا تكون فاصلة مناسبة تنتهي بها الآية، ولا تجد مثلها في القرآن،، ولا تشابهها الآلف في عظاماً ولحماً التي ظنها من نوعها. وهذه المشكلة تواجه غير العربي، لان الفواصل شبيهة بقضية القوافي في الشعر. وهي لا تعتمد على قواعد واضحة بقدر ما تعتمد على الذوق والملكة.
أما ملاحظته بان هذه الآية التي قسمها طويلة جداً بالنسبة لغيرها، فهي كذلك، ولكن وجود آية طويلة في نسق آيات قصار هو أمر معتاد في القرآن، والمعول في طول الآية وقصرها، على موضوعها وفكرتها، وكثيراً ما نج آية طويلة في آيات قصار، وعكس ذلك هو أيضا كثير مألوف. ومن أمثلة ذلك آية المدثر(وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة.....) وقد شكلت عليه هذه الآية أيضا، ولكن هذه الآية مرتبطة من ناحية الفكرة بما سبقها وما يليها، لأنها تتحدث عن عدة أصحاب النار المختلف في عدتهم، والنار المذكورة قبل هذه الآية هي سقر (سأصليه سقر وما أدراك ما سقر) وأُعيد ذكرها بعد هذه الآية وآيات: (ما سلككم في سقر)...
إن افتراض الدكتور (بيل)، أنّ الفاصلة لا تتغير في السورة، افتراض خاطئ، وافتراضه أن طول الآيات يبقى واحداً وإلا فليس بينهما صلة، هو أيضاً افتراض لا يثبت للنظر. وقد قام بكثير من الجهد، لحلَّ مشكلات إنما أنشأها هو بهذا الافتراض الخاطئ.
قوله بالتصحيف Glosses:
أما ذهاب الدكتور (بيل) لفكرة وجود تصحيف Glosses(17) أو ما يشبه ذلك، فهو خطأ فادح من الناحية العلمية، لان هذه الفكرة المأخوذة من دراسة النصوص اللاتينية والإغريقية القديمة هي فكرة في غاية الغرابة إذا طبقت على القرآن، لان النص القرآني اعتمد في حفظه على الحفظ في الصدور اكثر مما اعتمد في أول عهده على مرتكزا على مراجعة ما في الصدور وتوثيقه بما في المصحف, وقد علمنا أن الكتابة كانت على الحجارة وجريد النخل والجلد، ويصعب جدا تصور الملاحظات مكتوبة على الهامش(!) على سبيل الشرح ثم تضاف بعد ذلك إلى النص بفعل النساخ خطأ أو سهوا.
يبدو لي أن هذه الفكرة وأخريات أمثالها نشأت عند (بيل) من تصوره أحوالا شبيهة بما كانت عليه الوثائق القديمة، وهذه فكرة جامحة، لم يستفد فيها الدكتور (بيل) من آراء أستاذه موير الذي كان اقرب إلى تصور الواقع في الجزيرة العربية عند جمع النص القرآني.
من الأمثلة التي يسوقها الدكتور (بيل) لاحتمالات التصحيف، الآية 85 من سورة البقرة (وإذ أخذنا مثياقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وانتم تشهدون* ثم أنت هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالآثم والعدوان وان يأتوكم اسارى تفادوهم وهم محرم عليكم إخراجهم فتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى في الحياة الدنيا ويوم القيامة يريدون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) (سورة البقرة 84-85).
ظن الدكتور (بيل) أن جملة " وإن يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم" هي مقحمة على هذا الموقع وأنها ربما كانت جزء من الميثاق المذكور، ثم اخرج انه لو أزيلت هذه الجملة يصبح السياق: "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالآثم والعدوان". (وهو محرم عليكم).
فحذف جملة: "وان يأتوك اسارى تفادوهم" ثم شكلت على كلمة "أخرجوهم" فظن أنها ربما أضيفت تفسيراً بعد إقحام الجملة المتعلقة بالأسرى. والصحيح أن جملة الأسرى ضرورية جداً للمعنى، وهي التي تظهر التناقض في موقف اليهود الذين كانوا يخالفون التوراة حين يقاتلون بعضهم بالحرب، ثم أن جاء بعض أسراهم يطلبون الفداء جمعوا لهم ليفدوهم حسب أمر التوراة، فذلك هو التناقض الذي أظهرته الآية، واستوجب الإنكار في قولهم" افتمؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"؟.
قال الشوكاني: "فكانوا إذا كان بين الاوس والخزرج من العرب خرجت بني قينوقاع مع الخزرج والنضير وقريظة مع الاوس، وعاني كل واحد من الفريقين خلفائه على إخوانه... فإذا وضعت الحرب أوزارها ارتدوا أسراهم تصديقً لما في التوراة. أي: أتفادونهم تصديق لما في التوراة وتخرجونهم كفراً بذلك؟ (18).
ومثل هذا زعمه أن العبارة " وما أدريك"... ربما كانت إضافة تفسر بها بعض الكلمات أو العبارات الغامضة وان هذه العبارات التفسيرية ربما أضيفت في وقت متأخر، فلم تكون مطابقة للكلمة التي جاء في تفسيرها، ومثاله على ذلك آية القارعة:
(فأمه هاوية وما أدراك ما هي. نار حامية).
فهو يرى اسم النار لا يفسر كلمة هاوية. وهاهنا خطا في موضوعين، فليست عبارة ما أدريك في حقيقتها طلبا للتفسير، بل هي عبارة تهويل، والموضوع الآخر فان الأم المذكور في السورة ليست أمه التي ولدته، ولم يفهم ذلك أحد من أهل العربية. واقرب إلى الصواب أنها في المثل السائر، هوت أمه. إذ وقع في أمر ا شديد.
أ.د.عبد الرحيم علي محمد
مدير معهد الخرطوم الدولي للغة العربية
2009-10-13
(نموذج موير، واط، وبيل)
الدكتور ريشارد بيل:
جاء ريتشارد بيل. وحاول ترجمة معاني القرآن. وواجهته المشكلة التي واجهت موير في ورود الآيات المكية مع أخرى مدنية، وفي الانتقال من موضوع إلى موضوع، وحاول أن يستخلص نظرية يفسر بها الظواهر التي أشكلت عليه. وكانت حيرته أكبر من أستاذه، وأخطاؤه أفدح. وذلك بسبب تماديه في معالجة فرضية خاطئة، وهي أن النص القرآني مضطرب النظم.
تتلخص آراء (بيل) في النقاط المذكورة بعد:
1. بنى معظم ملاحظاته على فكرة أن القرآن نزل أولاً في مقطوعات صغيرة، وأن هذه المقطوعات كوّنت السور فيما بعد. وهذا الموقف متشابه لموقف موير، سوى أن (بيل) كان يميل إلى المقطوعات الصغيرة.
2. ذهب إلى النص في معظمه خطّه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، مستبعداً النص القرآني حول أمِّية محمد صلى الله عليه وسلم. والأحاديث الكثيرة حول كتاب الوحي.
3. ألحت عليه فكرة التطور في الوحي، وعلاقة هذا التطور بالسيرة. وخلص إلى أن القرآن تكون من ثلاثة أجزاء في ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: مرحلة الآيات، وهي الآيات التي كانت تتحدث عن آيات الكون وأدلة نعم الله وقدرته، ومن هذه الآيات الإشارات المتعددة إلى الشمس والكواكب، والليل والنهار، ونزول المطر وخلق الإنسان، وتسخير الأنعام، وإنبات النبات، ويحاول (بيل) أن يميز هذه المرحلة عن المرحلة التالية، فهو يعتقد أن هذه الآيات كانت من المرحلة المكية الأولى.
- المرحلة الثانية: وهي مرحلة القرآن، وفي هذه المرحلة يرد في مواضع كثيرة ذكر القرآن، وذلك في نظر (بيل) مجموعة من آيات يضم بعضها إلى بعض وليست - كما يتبادر للمسلمين - بمعنى الكتاب. وفي حين يجمع المسلمون على أن أسماء الصفات الواردة في القرآن، هي مترادفات. فهو القرآن وهو الذكر وهو الفرقان وهو المثاني وهو الكتاب، يرى (بيل) أن هذه الصفات تشير إلى مراحل مختلفة من تطور الوحي. فالمرحلة الثانية، وهي مرحلة القرآن، تمثل في نظره مجموعة فصول، أريد لها أن تُقرأ وأن تكون بمثابة القداس في الكنائس لأغراض العبادة، وأن استعمال كلمة القرآن، بحسب نظرية (بيل)، يكثُر في المرحلة الأخيرة من مكة، وأول مرحلة المدينة. ثم يقل وينقطع في المرحلة الأخيرة بعد بدر، وهي مرحلة الكتاب.
- المرحلة الأخيرة: هي مرحلة الكتاب. ويشار فيها إلى الكتاب، ويراد به مجمل الترتيل، والآيات التي يرد فيها اسم الكتاب في نظر (بيل)، آيات من مرحلة المدينة بعد بدر، وفيها استقر حسب زعمه لدى النبي أنه رسول وأنه صاحب كتاب.
من أهم معالم هذه الأطوار التي رسمها الدكتور (بيل). أن المرحلة الأولى من الترتيل، خلت من ذكر العذاب والتخويف، وإن ذُكرت فيها الآخرة، وقد احتج لذلك، بأن النبي لابدَّ أن يكون قد بدأ برسالة ذات محتوى إيجابي، وإلا يكون ذكر قد وقع إلا بعد ظهور معارضة له. ويترتب على ذلك، أن الآيات التي يشار فيها إلى نوع من المعارضة، لابد أن تكون متأخرة عن الآيات التي لم يرد فيها ذكر ذلك(12).
ثم يتطور وصف النار والعذاب، ويرد ذكر الملائكة والروح، ويرد ذكر الرحمن وتتوالى مفهومات جديدة، كالتوبة والمغفرة والكفارة، وينسبها لمرحلة المدينة.
وعلى هذا النهج، ينسب الآيات التي يرد فيها ذكر لليهود، ولقصة إبراهيم عليه السلام لمرحلة المدينة الأولى، حيث ازداد إحساس المسلمين بهذا الدين، بعد اتصالهم باليهود في المدينة(13).
ومثل هذا يصح عن بعض الكلمات التي تساعد في تحديد زمن النزول، مثل الفساد والفتنة والآيات التي تحض على القتال، كلها مدنية.
وقد حاول (بيل) أن يبرهن على أن كلمة المثاني المختلف فيها، هي إشارة إلى الأجزاء التي وردت في قصص الأنبياء السابقين وما حل لأممهم من العذاب.
4. حاول (بيل) جاهداً أن يطبق في دراسته للقرآن، نظريات نقد النصوص الحديثة وقد التمس في المصحف أمثلة للحذف والتصحيح والاستبدال، وقطْع أجزاء من آيات ووضعها في غير موضوعها، وكتابة أجزاء بظاهر الصفحة التي كتبت عليها آيات أخرى، ثم وصلها معاً في القراءة، وغير ذلك من هذه الوسائل المستحدثة في تحرير النصوص وتوثيقها(14).
ولا يخفى أن ثمة رابطاً بين جميع هذه الملاحظات، وأنّ النظرية في عمومها تتجه إلى الربط بين المراحل التاريخية المختلفة التي مر بها النبي في السيرة وبين الوحي التي كان يتنزل عليه في هذه الأثناء.
وهذه المحاولة لا بأس بها من حيث المبدأ، والعلماء المسلمون أيضا قسموا القرآن إلى مكي ومدني ولاحظوا خصائص السور المكية والمدنية، وبين العلماء المتقدمين نقاش حول كثير من الآيات هل هي مكية أو مدنية؟ متقدمة أو متأخرة في النزول. وهنالك شبه إجماع على أن أسلوب القرآن في مكة يتميز عموماً بقصر الآيات، والإيقاع السريع، والقسم وأنواع التنبيهات، ولكن (بيل) في دارسته يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فهو يجعل الأفكار والمفاهيم التي ترد في القرآن، نتيجة للأحداث والتطورات، وقد واجه صعوبات في إخضاع النص بهيئته المعروفة اليوم لنظرياته، وحاول أن يطوّع النص للنظرية، ولذلك اضطر للقول بالإضافة والتعديل، وحاول أن يثبت أن جمع القرآن صحبته تدخلات وأخطاء شتى، وذهب يحاول إعادة النص إلى سلامته الأولى، وكانت النتيجة أنّ ترجمته للنص استحالت إلى جسم ميت ومقطع.
ونقد (بيل) آراء كثير من المستشرفين في اعتبار مجموعة الآيات هي الأساس، وأن السور القرآنية تكونت من هذه المجموعات، ولكنه اشتط في هذه النظرة، لأستاذه (موير)، وكذلك (نولدكه)، وإن ذهبوا إلى نفس الرأي، إلا أنهم لم ينكروا أن ثمة سوراً كثيرة هي أيضاً ذات موضوع واحد، أو موضوعات مترابطة. أما الدكتور (بيل) فقد خالفهم، وحاول أن يجد حتى في السور القصيرة أثراً لمحاولات التوصيل والتلفيق التي توهم أنها وقعت، عندما رُبطت مجموعات الآيات مع بعضها في سورة واحدة. وبعد مراجعة كثير من الأمثلة يتبين لنا. أن عمدته في هذه الفكرة، هي تغيير الفاصلة (الحرف الأخير) في داخل السورة مرة بعد مرة، وكذلك ورود الآيات ذات الموضوع المعين على آية أخرى، أو في حشايا سورة ذات موضوع مباين لها. وكذلك اعتبر الآيات مقحمة كلما وجد أن المعنى أو الفكرة، ترد في سياق سورة يفترض أن تكون متقدمة أو متأخرة عنها في زمن النزول.
مناقشة أفكار (بيل) حول القرآن:
1. الخلاف الأساسي بين المنهج الاستشراقي والمنهج الإسلامي في منهج علماء المسلمين يفترض صحة نسبة القرآن إلى الله عز وجل، وأنه بذلك لا يتعارض ولا يتناقض، كما أنه لا يلزمه ما يلزم تأليف البشر من ارتباط مقالهم بزمانهم، وعلمهم بحدود مكانهم، وأنهم مهما تجردوا من الهوى والملابسات المحيطة بهم، فكلامهم لا يتبرأ تمام البراءة من أثر البيئة الزمانية والمكانية.
2. ومنهج الاستشراق فيه افتراض أن القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وسلم وأنه بذلك يعالج كما تعالج النصوص الأخرى المنسوبة للبشر من احتمال الخطأ والصواب، ومن ضرورة افتراض التطور الطبيعي المألوف في كل النصوص، لارتباط تلك النصوص بالبيئة الزمانية والمكانية.
وهذا الاختلاف في الافتراضين، يلقي بظلاله على كل الأفكار الواردة في الأفكار السابقة، ويباعد الشقة بين الدارسين في الجانبين.
ومع ذلك، وبالرغم من هذا الخلاف المنهجي الأساسي، توجد مساحة للنقاش والتداول، حول الأفكار المذكورة آنفاً من نظم القرآن وتطوره، وفي هذه المساحة نستطيع أن نورد الملاحظات التالية:
فكرة تكوين القرآن من نجوم الآيات:
اعتبر (بيل) أن الوحدة الأساس في القرآن هو المقطوعة أو النجم، أي مجموعة الآيات واعتبر هذه المقطوعات أو النجوم قصيرة، وان السور المعروفة لدينا تكونت من هذه المقطوعات في وقت لاحق، وانصب جهده في محاولة تحديد هذه المقطوعات في وقت لاحق، وانصب جهده في محاولة تحديد هذه المقطوعات داخل السورة، وفي ابتكار نظرية حول الطريقة التي عولجت بها عملية الوصل.
إن فكرة النجم في أساسها ليست محل خلاف، ولكن السور القصيرة وبعض السور الطوال، مثل سورة يوسف ومثل سورة الأنفال والنمل وغير ذلك، هي أشبه ما تكون بهذه المقطوعات، لأنها نزلت كما هو ظاهر من نفسها وأسلوبها، وفي نفس واحد وفي موضوع واحد أو موضوعات مترابطة، ولا يمكن أن تفصل إلى أجزاء إلا بتعسُّفٍ واضح.
تأمل مثلاً محاولة الدكتور (بيل) لتقسيم سورة عبس (سورة 80) فهو يقسمها إلى ثلاثة أقسام، معتمداً على تغيير الفاصلة، ويقول بان الآيات التي تبدأ: فلينظر الإنسان إلى طعامه.. إلى قوله تعالى متاعاً لكم ولأنعامكم. هي آيات مقحمة في هذا السياق، وأنها تحمل سمة انه كانت مستقلة ثم أضيفت لهذا الموقع ولست منه(15).
والصحيح أن هذه الآيات مرتبطة تمام الارتباط بما قبلها، إنْ تغَّيرت الفاصلة فالجرس والنغم هو ثم إنَّ مبحث الشكر المذكور في الآيات السابقة ( قتل الإنسان ما أكفره) قد وجد بيانه وتوضيحه في هذه الآيات، لأنها جلها تذكَّر بالنعم التي يجب إلا تكفر.
ومثال آخر في سورة المؤمنون (السورة 23) بدا أن آياتها 12-16 وهي الآيات المتعلقة بالخلق والتي أولها: ( وقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) ذهب إلى أن هذه المجموعة من الآيات تحتوي على حرف فاصلة مدسوس، أي انطوى بسبب الإضافات التي طرأت، ويقوم الدكتور (بيل) بإعادة الآيات على هذا الوجه(16).
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة/ من طين ثم جعلناه نطفة/ في قرار مكين
ثم خلقنا النطفة علقة
فخلقنا العلق مضغة
فخلقنا المضغة عظاماً
فكسونا العظام لحماً
ثم أنشأناه خلقاً آخر
فتبارك الله احسن الخالقين
ثم أنكم بعد ذلك لميتون
ثم أنكم يوم القيامة تبعثون
وبهذا الشكل الذي ابرز به حجته في وجود حرف فاصلة في داخل الآية، وهو تشابه النهايات. علقة، مضغة، عظاماً، لحماً.. استنتج أن الآيات كانت مجموعة تحمل فاصلة الهاء والفتحة، وأنها عندما وُضعت في السورة في هذا الوضع، أضيفت إليها عبارات مثل، "من طين"، و "في قرار مكين"، وأخيراً "فتبارك الله احسن الخالقين"، لتناسب فاصلة السورة التي تنتهي بالياء والنون. ومثل هذا عند الدكتور (بيل) كثير جداً.
والذي يبدو لي أن هذه الآيات شديدة الاتصال بالسورة، لان مبحث خلق الإنسان متصل في القرآن، دائماً بمبحث الغرور والاستكبار، وهو مبحث ظاهر في هذه السورة.
والاهم من ذلك أن وجود الفاصلة الخفية التي اعتمد عليها الدكتور (بيل) ليس كما زعم، فالهاء في مضغة وعلقة لا تكون فاصلة مناسبة تنتهي بها الآية، ولا تجد مثلها في القرآن،، ولا تشابهها الآلف في عظاماً ولحماً التي ظنها من نوعها. وهذه المشكلة تواجه غير العربي، لان الفواصل شبيهة بقضية القوافي في الشعر. وهي لا تعتمد على قواعد واضحة بقدر ما تعتمد على الذوق والملكة.
أما ملاحظته بان هذه الآية التي قسمها طويلة جداً بالنسبة لغيرها، فهي كذلك، ولكن وجود آية طويلة في نسق آيات قصار هو أمر معتاد في القرآن، والمعول في طول الآية وقصرها، على موضوعها وفكرتها، وكثيراً ما نج آية طويلة في آيات قصار، وعكس ذلك هو أيضا كثير مألوف. ومن أمثلة ذلك آية المدثر(وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة.....) وقد شكلت عليه هذه الآية أيضا، ولكن هذه الآية مرتبطة من ناحية الفكرة بما سبقها وما يليها، لأنها تتحدث عن عدة أصحاب النار المختلف في عدتهم، والنار المذكورة قبل هذه الآية هي سقر (سأصليه سقر وما أدراك ما سقر) وأُعيد ذكرها بعد هذه الآية وآيات: (ما سلككم في سقر)...
إن افتراض الدكتور (بيل)، أنّ الفاصلة لا تتغير في السورة، افتراض خاطئ، وافتراضه أن طول الآيات يبقى واحداً وإلا فليس بينهما صلة، هو أيضاً افتراض لا يثبت للنظر. وقد قام بكثير من الجهد، لحلَّ مشكلات إنما أنشأها هو بهذا الافتراض الخاطئ.
قوله بالتصحيف Glosses:
أما ذهاب الدكتور (بيل) لفكرة وجود تصحيف Glosses(17) أو ما يشبه ذلك، فهو خطأ فادح من الناحية العلمية، لان هذه الفكرة المأخوذة من دراسة النصوص اللاتينية والإغريقية القديمة هي فكرة في غاية الغرابة إذا طبقت على القرآن، لان النص القرآني اعتمد في حفظه على الحفظ في الصدور اكثر مما اعتمد في أول عهده على مرتكزا على مراجعة ما في الصدور وتوثيقه بما في المصحف, وقد علمنا أن الكتابة كانت على الحجارة وجريد النخل والجلد، ويصعب جدا تصور الملاحظات مكتوبة على الهامش(!) على سبيل الشرح ثم تضاف بعد ذلك إلى النص بفعل النساخ خطأ أو سهوا.
يبدو لي أن هذه الفكرة وأخريات أمثالها نشأت عند (بيل) من تصوره أحوالا شبيهة بما كانت عليه الوثائق القديمة، وهذه فكرة جامحة، لم يستفد فيها الدكتور (بيل) من آراء أستاذه موير الذي كان اقرب إلى تصور الواقع في الجزيرة العربية عند جمع النص القرآني.
من الأمثلة التي يسوقها الدكتور (بيل) لاحتمالات التصحيف، الآية 85 من سورة البقرة (وإذ أخذنا مثياقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وانتم تشهدون* ثم أنت هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالآثم والعدوان وان يأتوكم اسارى تفادوهم وهم محرم عليكم إخراجهم فتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى في الحياة الدنيا ويوم القيامة يريدون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) (سورة البقرة 84-85).
ظن الدكتور (بيل) أن جملة " وإن يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم" هي مقحمة على هذا الموقع وأنها ربما كانت جزء من الميثاق المذكور، ثم اخرج انه لو أزيلت هذه الجملة يصبح السياق: "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالآثم والعدوان". (وهو محرم عليكم).
فحذف جملة: "وان يأتوك اسارى تفادوهم" ثم شكلت على كلمة "أخرجوهم" فظن أنها ربما أضيفت تفسيراً بعد إقحام الجملة المتعلقة بالأسرى. والصحيح أن جملة الأسرى ضرورية جداً للمعنى، وهي التي تظهر التناقض في موقف اليهود الذين كانوا يخالفون التوراة حين يقاتلون بعضهم بالحرب، ثم أن جاء بعض أسراهم يطلبون الفداء جمعوا لهم ليفدوهم حسب أمر التوراة، فذلك هو التناقض الذي أظهرته الآية، واستوجب الإنكار في قولهم" افتمؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"؟.
قال الشوكاني: "فكانوا إذا كان بين الاوس والخزرج من العرب خرجت بني قينوقاع مع الخزرج والنضير وقريظة مع الاوس، وعاني كل واحد من الفريقين خلفائه على إخوانه... فإذا وضعت الحرب أوزارها ارتدوا أسراهم تصديقً لما في التوراة. أي: أتفادونهم تصديق لما في التوراة وتخرجونهم كفراً بذلك؟ (18).
ومثل هذا زعمه أن العبارة " وما أدريك"... ربما كانت إضافة تفسر بها بعض الكلمات أو العبارات الغامضة وان هذه العبارات التفسيرية ربما أضيفت في وقت متأخر، فلم تكون مطابقة للكلمة التي جاء في تفسيرها، ومثاله على ذلك آية القارعة:
(فأمه هاوية وما أدراك ما هي. نار حامية).
فهو يرى اسم النار لا يفسر كلمة هاوية. وهاهنا خطا في موضوعين، فليست عبارة ما أدريك في حقيقتها طلبا للتفسير، بل هي عبارة تهويل، والموضوع الآخر فان الأم المذكور في السورة ليست أمه التي ولدته، ولم يفهم ذلك أحد من أهل العربية. واقرب إلى الصواب أنها في المثل السائر، هوت أمه. إذ وقع في أمر ا شديد.
مواضيع مماثلة
» الدراسات الاستشراقية حول القرآن (1-3)
» الدراسات الاستشراقية حول القرآن (3-3)
» الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم
» الدراسات الاستشراقية حول القرآن (3-3)
» الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى